عذرا (عروس البحر الأحمر).. لا تستغيثي المطر



في الوقت الذي كنا قبل أيام ٍ قلائل نصلي استغاثة للمطر جراء تأخره وجدب الأرض.. أضحت مدينة جدة -عروس البحر الأحمر- تـندب حضها على ذلك الإستسغاء.. وتضرب بكلـتا يديها خدين لم يحمرّا خجلا، وإنما هولا ً من الصدمة والفاجعة.
أربعاءٌ أسود بلون عبائات كل من حاولت ستر نفسها في تيار السيل الجارف.. وتمنت لو أنها تكفنت بالبياض استعدادا لذلك الموت الذي كان أقرب لها ممن عليه حق النجدة. أربعاء أسود كسواد الدمع المختلط بالسيل المذروف من عيني الأطفال الفرحين بحبات المطر.. المفجوعين بالموت بين جنباته. أربعاء أسود كسواد الشعر المتبقي في الهرمين العاجزين عن انقاذ انفسهم عوضا ً عن انقاذ ممن جرفهم السيل من أبنائهم وأحفادهم.. البعض منهم لم يمت بالسيل وإنما حسرة وألما على قلة الحيلة.
أربعاء ٌ لم يكن كأي أربعاء ٍ مضى.. يستـنشق فيه أغلب الناس في مدينة جدة عبير الويك إند، وإنما استـنشقوا في أول استفاقةٍ لهم وبين هماليل المطر.. عبير الموت نــتـِــنا ً برائحة المدبرين المقصرين.. وعفن السكارى في مناصبهم أولئك المحركون للظل لا غيره.
تلك المدينة –كان الله في عونها- كانت تستغيث ولأيام طوال طوال بحل سريع لمشكلة المياه والمجاري تلك التي وضعت خطين أحمرين وعلامة استفهام كبيره حول مصطلح (جدة عروس البحر الأحمر). ومع كثير تلك الاستغاثات من المستفيقين والناصحين.. لم يكن هناك حي ٌ ليرد أو ليتخذ اللازم منه سواء بتصريح جريئ يكشف الحقائق.. أو بقرار ٍ فعلي يطمئن المستغيثين القلقين. فتراخى وعمي ّ ّالكثير عن حقيقة ويل الإستغاثة بالمطر، وشاركوا في يوم الغوث بقلوب خاضعة ٍ ودعاء مستسلم إلى أن ساق الله السماء بالغوث، فكان الغوث هو الموت.
لقد أضحت مقولة (لا حياة لمن تنادي) في عالمنا سنة ً من سنن الحياة.. ومهارة ٌ يرتجلها المسؤولون ليبتعدوا طيلة فترة حكمهم عن إمكانية الإدمان على أكسترا باندول من جراء وجع الرأس من المسؤلية.. نعم حق ٌ لهم أن يخافوا ذلك فنحن في عصر بانت فيه علامات كثيره لقرب الساعة ومنها تضييع الأمانة .. والرجل في غير المكان المناسب.
هم رجال ٌ مسؤولون في أماكن ٍ غير منسابة لهم.. فكثيرُ الأحداث أكدت أنهم بعيدون كل البعد عن تحمل عبئ المسؤلية من هم ٍ وأهتمام وحاجة للصبر والمصابرة من خلال دقيق المتابعة وحل المشكلات وأربعاء جدة الأسود لهو أكبر شاهد ٍ على ذلك.
صور فاجعة الأربعاء من جدة .. تصور لك تضامن الأرض مع غضب السماء من فوق الأرض، إنه غضب ٌ ممزوج بتعب الصارخين منذ القدم بالمشكلات و وجوب حلها، وغليان القابعين في نتن الروائح والدّوامات العاجزين عن التغيير والتعبير المنخنقين بحسرتهم.
اعصار الكارنتينا كما يسميه البعض كشف عن هوة ٍ كبيرة بين المسؤولين وما يحدث على أرض الواقع.. وعن فساد ٍ كبير في التخطيط والمتابعة وماهية التصديق على المعايير والمقاييس. فعلى سبيل المثال: كيف لــ نفق أو كوبري يكلف ملايين الريالات (مايقارب 172 مليون) لا يوجد به تصريف للمياة أبدا فأضحى بعد أمطار جدة مسبحا ً قد يـُـعد من أكبر المسابح في المنطقة كافة. وعجبا ً لهذه المبالغ المهولة كيف لها أن لا يرتفع سهم الجودة فيها !! وعجبا ً للقليل منها في دول أخرى يفعل الكثير وبضمانات قد تمتد لــ مدى الحياة.

مشاهد الواقع بعد الأربعاء الأسود.. لتضرب عقل العاقل برصاصة الدهشة، وتزيد من حيرة الحيران وأسف الخسران. لقد كشفت –عروس البحر الأحمر- عن اسرارها وخلعت بذلك ثوب الستر عن وسمات العار فيها وراحت تصرخ وتستـنجد بالمطر تضامنا مع أولئك الصارخين من أبنائها الأوفياء.. فجاء السيل لـ يكشف الخبايا وتطفو على سطحه كل الدلائل بأنه لا أخلاص ولا وفاء في المسؤلية الملقاة على عاتــق من سبق ولبق!!.. وذلك الفساد القاتم قد بان في ضحايا جدة من أطفال رضـّـع وهرمين كانوا سـُــجد ركــّــع.
عزائنا الكبير لـ عروس البحر الأحمر وضحاياها، ويمتد ذلك العزاء لــؤلئك المتبصرون الصارخون بسرعة التتغير وإيجاد الحل لمناطق أخرى،، تتنفس الصعداء في بقاء الناس فيها سالمين غانمين برحمة من الله وفضل.

إننا فعلا بحاجة ٍ إلى إعادة صياغة خططنا وإسنادها لمن هم بالفعل كفؤ، لأولئك الممتلكون لخوف الله المتبصرون المتفائلون القارؤون للمستقبل المشرق.. المادون لجسر التواصل بينهم وبين مجتمعاتهم .. وكم نحن محتاجون بالفعل إلى متابعة دقيقة جدا لصرف المال العام الذي لا مجال للمقارنة بين كميته وجودة العمل على أرض الواقع..
ذلك فقط ما سوف يكفل لنا مسقبلا ً مشرقا وقليلا ً من المشكلات التي تقض مضجعنا
وإلى ذلك الحين حبيبتي جدة.. الحذر الحذر .. لا تستغيثي المطر.

December 1, 2009
width='450'/>

0 التعليقات: