كبسة رز وكيس فـــشار

لقد وفقنا بحول الله وقوته من دخول بوابة غينيتس للأرقام القياسية بـ أكبر كبسة رز وأكبر كيس فشار في العالم، وقد صاحب هذا الخبر صخب ٌ إعلامي احمرت له الأيدي تصفيقا، وسال له لعاب التفوق والنصر.
كان لهذا الخبر وقعٌ على نفسي كبير، فلم أتحمل عظيم هذا الخبر الذي أدخلني في تفكير ٍ وتأمل ٍ عميق صاحبه بكاءٌ داخلي مؤلم، وكردة فعل ٍ عكسية راحت نفسي تقهقه وتقهقه وقد صدق في حالي القول: شر البلية ما يضحك.
عقول أهل الغرب قد عكفت منذ سنين طويلة على أن تضع عقولها بما هو أشبه بـ (عصـّــارة البرتقال) وتعتصرها لتستنزف كل مافيها من أفكار سعيا ً حثيثا ً لـ المشاركة في تغير العالم بأكلمة بمزيدٍ من المخترعات والإكتشافات التي أضافت الكثير للإنسان فكانت الحياة أسهل وأفضل. وكنا نحن ومازلنا متقوقعين في تلك الزاوية المغبــِــرة بعقول ٍ وُضعت في ثلاجة صغيرة ماركتها (الراحة)، فحملنا بعدها جائزة فخرية لأكبر وأفضل (مستهلك) في العالم.
لم نفكر ولو لمرة واحدة (كعرب) بأن نرتقي قليلا ً بأحلامنا وتوجهاتنا وننفض غبار المستهلك عنــّــا ونفكّ بل نكــســِــرُ قيود الكسل الفكري والبــُــرود والركود لروتين حياتنا الإجتماعي والإقتصادي، ونتطلع ونبحث عن كيفية قلب المائدة وتغير الحال180 ْ لنكون الأفضل على الإطلاق وندخل بوابة غينيتس القياسية من أوسع أبوابها كأكثر أو أكبر مخترع أو مكتشف ٍ أو مصـّــنع في العالم وعلى مر التاريخ.
نعم إنها أحلامٌ كبار، ولا تسكن إلا في ذوي الهمم الجبال، و اولئك الموصوفون بالماء الراكد لا حراك لهم ولا أعتماد عليهم لأنهم وبكل بساطة حملوا في عقولهم صندوق أحلام صغير ٍ ضيق فلا مكان للأحلام الكبيرة أن تسكنه ولا مجال للأحلام الصغيرة حتى أن تتمدد وتغدو كبيرهـ.
إنه الزمن المغبر والحذو اللاصحيح لرتابة بيئة ٍ ومجتمع جرّنــا ً جرا ًً إلى أن نكون جهاز استقبال فقط، وطـُــمست بصيرتــُــنا ونزعت منــا الإرادة فلم نعد قادرين على أن نفكر في أن نكون السيد المصنــّــع ونقض مضج العالم ونبهرهم بكل صغير ٍ وكبير ٍ مما يحتاجونه كما هو الحال مع بلاد الصين، بلاد العجائب.

بلاد الصين حـُــذرت مرارا وتكرارا من أن ثورة تعداها السكاني والذي يعد الأعلى على مستوى العالم، سيكون وبالاً عليها وسينتج عن ذلك عجز اقتصادي وفقر جماعي ملزم.
بلاد العجائب لم تأبة لذلك التحذير أبدا، فكانت كالأم لأبنائها، فاحتضنت مواطنيها واغدغدت عليهم كثيرا ً من حنانها ورعايتها وفاءً وحبا ً لهم وفي المقابل كان رد الجميل من أبنائها أن تحدوا العالم كله وأثبتوا العكس للمرتابين والمتربصين فـ تحولوا إلى مكائن عاملة لا تكــلّ ولا تمل تضخ إلى العالم كثيرا ً من المشغولات اليدوية، والمنتجات والمصنوعات البلاستيكية والخشبية والفولاذية.. الخ، وانتشرت علامتهم التجارية (صنع في الصين) كانتشار النار في الهشيم حتى سميت تلك العلامة بـ فيروس الصين .
نعم إنه فيروسٌ صيني غاضب أنتجه أبناء الصين غضبا ً على اؤلئك المتشائمين، واثباتا لعكس ما قيل عن مستقبل ٍ مريب ٍ لبلدهم، لأمهم الحنون، الصين العظيمة.
لك أن تـتخيل تلك الأعداد الهائلة من الناس في الصين لو أنها تــُـركت من دون وظيفة واستثمار، كيف للصين أن تقوم لها قائمة كما هي الآن؟ إنه الإستثمار الصحيح للطاقات البشرية وتوظيفها خير توظيف بما يعود على الفرد والمجتمع بالصلاح والفلاح.

إننا محتاجون فعلا إلى إعادة صياغة أفكارنا وتوجهاتــنا إلى ماهو أسمى وأكثر تأثيرا ً على العالم بعيدا ًعن ما يسمى بالتحرر، والتقليد الأعمى، والتغرير والتكفير، وإلى ماهو أكبر من كبسة رز ، وكيس فشار.
اختم بهذا المثل الشعبي، (اللي على راسة بطحه يتحسسها).

عادل سلطان- أبريل 3- 2010