رمضان رحمه لا تخمه

رمضان قد زنت السماء برحمة... فـُـتحت بمقدمك الجنان الثمانيه
صوم وصدق وابتهال ودعـوة... عاليت بالأجر الجبال الرواسيا

نعم إنه شهر رمضان الكريم، شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلـّــق أبواب النيران
شهرٌ أوله رحمة، وأوسطة مغفرة، وآخرة عتق من النار
ولم يكن هذا الفضل والأجر الكبير لهذا الشهر إلا لعظمته عند المولى جلا وعلا فقد قال سبحانه:
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات ٍِ من الهدى والفرقان)-الآية

وجميع المسلمين في شتى أنحاء العالم يعلمون أن لرمضان وإيامه حلاوة ً ليست كسائر الأيام على الإطلاق، ولكن
هذه الحلاوة عند الكثير من الناس هداهم الله قد بولغ فيها فامتدت إلى شهوات بطونهم عوضا ً عن عقولهم وقلوبهم هدى ً ونور، فما أن يهل شهر رمضان حتى تراهم يستنفرون نفور النمل لقدوم فصل الشتاء، فتراهم هنا وهناك في كل مجمع ٍ تجاري يجمعون من أرففه ما استطاعوا له جمعا ، وما الإتيان بالشديد من أطفالهم ليستمتعوا بالتسوق؛ وإنما لجر قطار العربات خلف ربة البيت التي عكفت قبل أيام ٍ على مذاكرة كل متطلبات رمضان فأعدت دفتر أبو أربعين لكل تلك الطلبات ولم يكفها فتمنت لو كان دفتر أبوستين ..!
ما أن يطل أول اسبوع من رمضان وتضطرك الحاجة لزيارة أقرب متجر حتى تفاجأ بأن أغلب أرفف ذلك المتجر قدر أ ُفرغت بالكامل وكأنه أ ُذن بإخلاء المتجر لبيعه !! ذكرني هذا المشهد بأيام حرب الخليج –لا أعادها الله- حين أ ُفرغت المتاجر من كل المواد الغذائية ظنا ً من الناس أنه سيكون نقص في الغذاء وتقاتلٌ عليه.
لقد عكف أغلب الناس في رمضان على التوسع في مشاريع بطونهم جراء التوسع في موائدهم ، فامتدت سفرة طعامهم بكل مالذ وطاب من الأكل وامتدت مع ذلك أيضا كروشهم. شهر رمضان فرصة للتصحيح الغذائي، ولكن ! بدل أن يكون رمضان فرصة للرجيم ويساهم في خفض الأوزان أثرا ً للصيام، أصبحت فترة الصيام هي مجرد راحة للبطون للإستعداد بعدها والهجوم بعد أول حرف من أول تكبيرة للمؤذن. وقد حدث أن دُعيتُ إلى الإفطار على مائدة أحد الأصدقاء فإذا بواحد من الأخوان قد أمعن بصره هنا وهناك على تلك المائدة الممتدة متسائلا: ياترى من أين أبدا؟ وحين بدأ بالأكل لم يذر شيئا على تلك المائدة إلا وقد لهطه أو زرطه (ادخله في بطنه دون هضم) ولا أدري أهو الجوع من ساقه إلى ذلك أم الخوف من أن لا يحصل على شيء لتسابق المدعوين على كل مالذ وطاب على المائدة. أقسم أنه لو قدر لأشعب (طفيلي موائد الأكل المشهور) أن يكون على تلك المائدة لاستاء فعلا من آكليها وفضل أن يرحل.
وهناك أناس آخرون على موائد افطار رمضان قد استحلوا مالم يستحلوه لأنفسهم في غير رمضان، فهم على مائدة الطعام في رمضان من حين أن يؤذن المؤذن إلى أن يسلم الإمام مستبيحين لأنفسهم ترك الصلاة مع الجماعة أو تأجيلها بحجة تعلق قلوبهم بالأكل وأن كيف لهم الخشوع في الصلاة وفي مخيلتهم منظر مثلث السمبوسة وطراوة الهريسة ومحشي الكوسه، مستندين في فتواهم إلى حديثه صلى الله عليه وسلم :
(لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) رواه مسلم في الصحيح
وهذا التأويل أو الإستباحة ليست بصحيح، لأن التوجيه هنا في هذا الحديث لم يقل بتفضيل مائدة الطعام على اقامة الصلاة مع الجماعة أو تركها، بل هو بمعنى أن يأكل قدرا بسيطا يسد رغبته في الأكل ذلك الذي قد يشغل قلبه ومن ثم ليسارع في ادراك الصلاة مع الجماعة، وقد ذكره ذلك الشيخ ابن باز رحمة الله في سؤال وجه إليه فقال:

أفيدوني عن مدى صحة هذا الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً معناه: إذا حضر طعام العشاء، وحضرت صلاة العشاء، فابدؤوا بالعَشاء قبل العِشاء، وهل هذا خاص بصلاة العشاء أم يقاس عليه بقية الصلوات؟ جزاكم الله خيراً.

الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس خاصاً بالعِشاء، بالمغرب والعصر وغيرهما، وفي اللفظ الآخر: (إذا حضر العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب)، وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)، وهذا عام، رواه مسلم في الصحيح، فإذا حضر الطعام عند الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، أو الفجر، فإن السنة البداءة به، لأنه إذا قام وقد حضر الطعام تشوش قلبه ولم يؤد الصلاة كما ينبغي بسبب التشوش ا لذي حصل للقلب عند حضور الطعام، فالسنة أن يبدأ به ويأكل حاجته ثم يصلي، ولو أنه قد أذن المؤذن ولو حضرت الصلاة ولو أقيمت الصلاة، وليس هذا من التساهل بالصلاة ولا من التهوين من شأنها، لا، بل هذا من تعظيم شأنها؛ لأنه إذا أتاها وقلبه مشغول لم يخشع فيها كما ينبغي، والله يقول سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (1-2) سورة المؤمنون، لكن إذا أتاها وقد أخذ حاجته من الطعام أتاها وقلبه مقبل، وأداها بخشوع وحضور فهذا أنفع له في الدنيا والآخرة وأكمل لصلاته.

وعلى موائد أخرى في أسر ٍ أخرى، أناس قد من ّ الله عليهم فحكـّـموا عقولهم قبل بطونهم، فهم في انتظار لإذان المغرب بـ 7 حبات تمر فقط وكأس لبنٍ طازج وإن زادوا فـ مما أحبه وامتدحه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ثريد يغني عن جوع النهار ويبارك في الإفطار. نعم إنه فطور بسيط –لايغني من جوع – عند البعض من الناس، ولكن من قرروا الأخذ به كانوا لا يرجون منه إلا التقوي على مابعد الإفطار ألا وهو صلاة العشاء والتراويح، فكان لهم ذلك فهم في أول الصفوف وأكثر المصلين خشوعا وركودا في الصلاة على عكس غيرهم ممن جاء إلى الصلاة مثقلا متخما محملا ً ببرميل من الأكل فلا هو القادر على حمل نفسه أو غيره أو إكمال الصلاة لإحساسة بالتعب والغثيان، قد حــُــرم الأجر والله.
اؤلئك المؤجلون لفطورهم بعد فراغهم من الصلاة بعد خشوع شـُـرحت له صدورهم واستنارت به قلوبهم، يهمون راجعين إلى البيت وقد أعدت لهم مائدة الإفطار من طيب الأكل فهم على تلك المائدة أكلون مستأنسون بكل هدوء وسكينة حامدين الله وشاكرينه على هذه النعمة طالبين الأجر من الله والبركة الدائمة. فؤلئك هم الفائزون حقا.

إن هذا النظام الأخير والذي بدأت تنتهجه كثيرٌ من الأسر ولله الحمد لفوائدة ومصالحة الكبيرة، قد شكل فرقا كبيرا ً في راحة ربات وأهل البيوت وراحة أيضا البطون والعقول ويكفي أنه تنظيم لقصد آداء الطاعة على أكمل وجه فبارك الله في هذا التنظيم وجعله فعلا منهاجا لكل من أراد ان ينعم بليالي رمضان وموائدة طاعة وعبادة حق. إذن يا أخواني ملخص النظام الأمثل للتناول الطعام في رمضان والذي فيه راحة كبيرة لمن في البيت ومن في الجسد هو:

1- اول الإفطار تمرات او رطب مع قليل من ماء او لبن وبالإمكان أن يزاد عليه الثريد.
2- تأجل مائدة الإفطار إلى مابعد التراويح ليتهيأ البطن إلى استقبال الأغذية الأخرى وهو ماينصح به كثير من الأطباء.
3- تستغل فترة المغرب إما في اجتماع الأسرة لقراءة القرآن سويا، أو في اعطاء فرصة لربة البيت للراحة بعد عناء النهار في المطبخ، ولكي تتهيأ لصلاة التراويح إما في بيتها أو في المسجد إن شاءت.
4- خشوع الصلاة سيكون أكبر في معدة أشبه بالخاوية من تلك الملئ .
5- الأكل بعد وقت العشاء سيكون بكل راحة تامة لأنه ليس هناك ارتباطات أو صلوات أخرى، وهناك وقت كاف ٍ لهظم الطعام.

هذا ونترك لكم الحكم بعد التجريب، والمثل يقول: اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.
وفقنا الله وإياكم إلى كل مايحبه ويرضاهـ

عادل سلطان

August 17, 2010
Ramdan 7, 1431

width='450'/>

0 التعليقات: